10‏/09‏/2011

الثالوث المتربص بالانتفاضة.. الشعب..و التكتيك الثوري


تعددت قراءات الانتفاضة في تونس وأجمعت الرجعية بما في ذلك الاخوانجية على تسميتها ثورة.فكيف يجب ان نفهم الانتفاضة وكيف يمكن للقوى الثورية ان تحافظ على الاندفاع الثوري للجماهير المنتفضة من اجل مستقبل أفضل يفتح آفاق التحرر الوطني الديمقراطي.

تندرج الانتفاضة في تونس ضمن التناقض الاساسي والرئيسي بين الامبريالية وعملائها من جهة والشعب من جهة اخرى .فقد عبرت الجماهير المنتفضة صراحة عن رفضها لسياسة الاستعمار الجديد وانتفضت ضد العملاء المحليين الذين يستعملون كل انواع القمع والنهب من اجل تمرير سياسة النقد الدولي والبنك العالمي وتنصيب العصابات التي تعتمد اسلوب المحسوبية والرشوة وكل اشكال السطو والسرقة لنهب خيرات الشعب وسلب حقوقه والسمسرة بعرق جبينه.

شعر النظام الامبريالي بخطر الانتفاضة في تونس وفي باقي الاقطار العربية فتحرك بسرعة من اجل دعم العملاء وتقديم العون المادي واللوجستيكي حتي لاتتحول هذه الانتفاضات الى ثورات تكنس الرجعية الحاكمة وتفرز قيادات شعبية تعلن الاستقلال التام عن الدوائر الامبريالية.

وفي هذا الاطار تحاول الامبريالية الامريكية والفرنسية خاصة تحويل وجهة الصراع من صراع ضد الامبريالية والعملاء وضد النظام الاستعماري الجديد الى صراع كتل في صلب العملاء وبين المعارضات "المدنية" بهدف ترميم البيت الداخلي والاكتفاء بتغيير الوجوه.

وتعتبر الانتفاضة في تونس انتفاضة عفوية دون قيادة انطلقت من الريف لتصل الى العاصمة واتسمت بطابع جماهيري شعبي واضح وبطابع عنيف استهدف مراكز السلطة والقمع ومراكز السمسرة والمضاربة.

واعتبرت الرجعية هذه الانتفاضة ثورة وتظاهرت بتبني شعاراتها كما استغل الاخوان الانتفاضة التي يعتبرونها ثورة كذلك لطرح قضية الحجاب والنقاب والصلاة في الشارع وقضية الزكاة الخ...اما الاحزاب الانتهازية والتي تحصلت على تأشيرة العمل القانوني بفضل الانتفاضة فانها تعتبرها ثورة كذلك-مثلها مثل الرجعية- وتحاول أخذ نصيبها من الكعكة والتموقع في الخارطة السياسية المقبلة بمعزل عن مطالب الانتفاضة وتطلعات الشعب نحو التحرر

وفي حين يرفع الشعب شعار اسقاط النظام تطرح القيادات اليسارية الانتهازية شعار الجمهورية الثانية او الجمهورية المدنية او الجمهورية الديمقراطية والاجتماعية.ولايخرج التكتيك الانتهازي- تكتيك حزب العمال المتحالف سابقا مع الاخوان- والعائلة الوطنية –حزب العمل وحركة الوطنيين الديمقراطيين -لاتخرج تكتيكاتهم عن نظام الاستعمار الجديد بل يطالب الجميع بقليل من الاصلاحات تنحصر في التعددية الحزبية في ظل هذا النظام وتقتصر هذه الاصلاحات على الاعتراف القانوني بهذه الفرق كمعارضات قانونية

وقد تمحور التكتيك الانتهازي حول ما يسمى بتكتيك "الحريات السياسية" وهو تكتيك قديم بال ظهر مع نظرية العوالم الثلاث واطروحة وطنية النظام وقد احدث بلبلة في صفوف الحركة الشيوعية آنذك لكن حزب العمال اعاد انتاجه ووقع تبنيه فيما بعد من قبل حزب العمل الوالد واليسار الانتهازي عامة وهو يرفع شعار الجمهورية الديمقراطية في ظل النظام القائم. ونظرا لهذا التكيك اليميني و"المساهم" سقط اليسار من جديد في التعامل مع اطراف رجعية بما في ذلك الاخوان وعجز عن ايجاد اطر مستقلة تلتزم بشعارات الانتفاضة وتقطع نهائيا مع التذبذب والمساومة واللهث وراء الفتات

يمكن تلخيص حركة الصراع الطبقي في شعار "الشعب يريد اسقاط النظام"-علما وان هذا الشعار يتجاوز مستوى تطور الحركة الجماهيرية - وتفرعت عن هذا الشعار شعارات ثانوية مثل "الشعب يريد اسقاط الغنوشي –الوزير الاول السابق- واسقاط الحكومة المؤقتة وباجي قائد السبسي الخ..." فهذا الشعار يعني ان الشعب يطمح الى الثورة والى قلب النظام راسا على عقب غير انه غير قادر حاليا على فعل ذلك للاسباب التالية :

-فلم يرتق الوعي الشعبي العام الى وعي طبقي مسلح ببرنامج ثوري يضبط له الاهداف العامة ويحدد له السلوك السياسي في كل مرحلة حسب موازين القوى.

-ويفتقد الشعب الى قيادة ثورية تطرح القطيعة مع الثالوث المتربص بالانتفاضة وبمصير الشعب والمتكزن من الدساترة والاخوان والتيارات الانتهازية وهو ثالوث مدعوم من قبل الدوائر الامبريالية ولايخرج عن مخططات النظام الامبريالي العالمي.وان وعت فئات شعبية معينة بعمالة الدساترة ووقفت ضد اعادة الاعتبار لهذه الشريحة التي تشكلت بعد في احزاب اخرى- فان العديد من الفئات الشعبية الاخرى تظل ضحية الدعاية الاخوانجية من جهة وهي لاتتصور اولا ان الاخوانجية بديل امبريالي وتصدق ثانيا الاوهام التي تبثها التيارات الانتهازية حول امكانية وجود جمهورية ديمقراطية في ظل النظام الاستعماري الجديد من جهة اخرى.

-كما لاتزال تجربة الجماهير-بفعل ضعف تأثير القيادة الثورية -تخضع الى العفوية رئيسيا والى اشكال ارتجالية مكشوفة تضع الجماهير في موقع ضعف في صورة شن العدو هجمات مسلحة ضد المعتصمين او المتظاهرين او المضربين ولم تطبق الجماهير اسلوب "اضرب واهرب" او تكتيك "الكر والفر" حسب موازين القوى وحسب المواقع ولم تتوصل الجماهير بعد الى مهاجمة اضعف مواقع العدو وتسجيل انتصارات في هذا المجال

وتجدر الاشارة الى ان السلطة نفسها تستغل الوعي العفوي للجماهير لتغذية العروشية والجهوية واشعال الفتن بين اولاد زيد وعرش عمرو...

لكل ذلك ولاسباب عديدة اخرى متعلقة بموازين القوى وخاصة بواقع القوى الثورية فان شعار الشعب يريد اسقاط النظام يظل شعارا استراتيجيا يعبر عن طموح الشعب وعن حقه في ان يثور ليستلم السلطة السياسية لكن السلطة السياسية تنبع من فوهة البندقية والشعب لايملك حاليا هذه البندقية التي تظل اساسا في يد الرجعية.

وبايجاز يدور الصراع حاليا حول شعار "الشعب يطمح الى اسقاط النظام" لكن النظام يريد التمسك بالحكم وهو يستعمل كل الاساليب بما في ذلك الدعم المالي الامبريالي للالتفاف على الانتفاضة: يهدف التكتيك الرجعي الى الالتفاف على "الثورة" اولا من خلال إضفاء الشرعية على الحكومة المؤقتة والهيئات المنبثقة عنها وثانيا من خلال احداث الفوضى واستعمال العصابات لبث الرعب في صفوف ابناء الشعب ودفع الجماهير الى المطالبة "بالامن والاستقرار" وثالثا اعتماد العنف الرجعي المفضوح وايقاف المتظاهرين والمعتصمين ورابعا التواجد في لجان حماية الثورة والتواصل مع المعارضة من اليمين الى اليسار.إن التكتيك الرجعي يتلخص في محاولة ترميم الصفوف الرجعية والمحافظة على جوهر النظام بمساعدة الامبريالية الامريكية والفرنسية اولا وبدعم الاموال الخليجية ثانيا ثم عبر استمالة المعارضة واعتماد اسلوب الترغيب والوعود بمقاعد افتراضية او فعلية.

وفي حين ينادي الشعب باسقاط النظام تطالب الاحزاب اليسارية الانتهازية بالجمهورية الديمقراطية او الجمهورية الاجتماعية المدنية الخ...من التقليعات التي ترفض في الحقيقة شعار اسقاط النظام وعوض الوقوف الى جانب الشعب المنتفض وتأسيس هياكل شعبية مستقلة عن الرجعية فان هذه الاحزاب سارعت الى التواجد في الهيئات المنصبة فهي التي انجبت اولا جبهة 14 جانفي ثم مجالس حماية الثورة وأخيرا تواجدت اغلب اطرافها في الهيئة العليا.وهي في كل الحالات تسارع بتنصيب اللجان بمعزل عن ارادة الجماهير ودون تمثيلها وتستنسخ التجربة النقابية-وتحديدا كيفية تنصيب الهياكل- في الواقع السياسي الحالي,فقد تعودت هذه العناصر عقد مؤتمرات النقابات الاساسية في الكواليس وتجنبت حضور المناضلين والمشاكسين ونصبت نقابات اساسية فوقية لاعلاقة لها بالنضال

إن واقع الحراك الاجتماعي يتطلب حاليا الاعتماد اساسا على الشباب المنتفض الذي لم ير الى حد الان نتائج تضحياته على ارض الواقع وتظل الفئات المنتفضة الدرع الوحيد القادر على صيانة شعارات الانتفاضة وضمان استمرارية النضال والتصدي الى الثالوث(-دساترة اخوانجية انتهازية-) الذي يريد وأد الانتفاضة في المهد.

كما يطرح واقع الحراك الاجتماعي ضرورة استغلال التناقضات التي تشق صفوف الرجعية والعمل على ايجاد تكتل يعزل الحكومة المؤقتة ويتصدى لخطة عودة الدساترة والاخوان من الباب الخلفي.

ويطرح الوضع كذلك فضح التكتيكات الانتهازية ووضع احزاب اليسار امام الامر المقضي فإما مع الانتفاضة وإما مع الهيئات المنصبة والانتخابات المفبركة التي يقع الاعداد لها ومن واجب القوى الثورية دفع العناصر اليسارية النزيهة الى مغادرة الهيئات المنصبة وتشكيل لجان مستقلة في قطيعة مع الرجعية والبيروقراطية النقابية ..

من هنا نطرح التساؤل

كيف يتم تحديد التكتيك الثوري؟ على عكس التكتيك الانتهازي الذي ينطلق من مصالح حزبية ضيقة تهدف اساسا الى ضمان بعض المقاعد في مؤسسات الدولة والتحضير للانتخابات في اطار "التداول على السلطة" تحت الرعاية الامبريالية, فان التكتيك الثوري ينطلق من واقع الصراع الطبقي والنضال الوطني ويحاول تطوير شعارات الانتفاضة العفوية وتحويل الرفض العفوي الى رفض منظم قادر على الصمود والاستمرار رغم مناورات الرجعية والانتهازية.

ان التكتيك هو فن تطبيق الاستراتيجيا على ارض الواقع في زمن محدد وهو بالتالي لا يمكن له ان يتعارض مع الاهداف العامة بل عليه ان يبدع في تقريب الهدف خطوة خطوة ان استلزم الامر ذلك. وفي سبيل تحديد السلوك العام في الظرف الحالي لا بد من الاخد بعين الاعتبار العناصر التالية :

-.-تحديد واقع حركة الطبقات أي وضع السلطة ومستوى تطور الحركة الشعبية عامة وردة فعل القوى الثورية.

ضبط التوجهات العامة الحالية.

- ضبط محتوى الدعاية واشكال التنظيم

مؤكد ان الشعب هو الوحيد القادر على قول كلمة الفصل لان ارادة الشعوب لا تموت


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق