25‏/09‏/2011

رسالة إلى محرفي الماركسية و الجامدين فكريا


الشيوعية فى تونس: قراءة فاشلة.. ابناء مشوهون.. جمود فكرى.. رفاق خارج دائرة التاريخ.. أم طوابع أصولية؟؟

قبل الخوض فى غمار التجربة الشيوعية فى تونس – ان صحت تسمية التجربة اصلا-

و تجلياتها و التمشى الذى انتهجته سواء على مستوى الفكر أو الممارسة.. وجب التطرق أولا

الى داء الشيوعيين المزمن والذي كان سببا في هزيمتهم التاريخية النكراء وانهيار تجربتهم الكبرى في الاتحاد السوفيتي اضافة الى اوربا الشرقية.. ثم الأسقاط الذى قام به الرفاق فى تونس بما فيه من فشل و انتكاسات و بما فيهم من غباء و تحريف لما بقى من المحرف أصلا مما ساهمت بشكل أو بأخر فى تكبيل المسار الديمقراطى فى تونس..

كبداية نود ان نعرف الجمود العقائدي الذي هو السمة الأبرز للرفاق في تونس.. فماذا نعني بهذا المصطلح؟

الجمود العقائدي يعني قبول الشخص للمعتقد أو الفكر أو المبدأ أو النظرية بالصيغة التي وضعت بها عند طرحها لاول مرة من قبل واضعيها او كما كانت عليه صيغتها عند تلقيها من قبل ذلك الشخص والتعامل معها على انها حقيقة ثابتة وصحيحة لا تتغير بتغير الزمان والظروف واعتبارها قانون يصلح تطبيقه في أي زمان ومكان ورفض اجراء أي تغير عليها.

وبالنسبة للشيوعيين خاصة في تونس ممن تفننوا فى الاسقاط , هذا بصورة عامة

فإنها تعني بناءا على ذلك قبول الشيوعي للنظرية الماركسية بالصيغة التي وضعها صاحبها ماركس اوانجلس اولينين أو غيرهم من المنظرين أو كما كانت عليه صيغتها عند لحظة تلقيها من قبل ذلك الشيوعي واعتبارها بهذه الصيغة حقيقة ثابته تصلح للتطبيق في جميع الظروف والأزمنة واعتبارها حقيقة مطلقة الصحة لا يشوبها أي خطأ ورفض اجراء أي تعديل على صيغتها وبالتالي الانتهاء الى تقديس النظرية الشيوعية وتحويلها الى دين بدل ان تكون ادات لتغير المجتمع

هذا هو الجمود العقائدي.

نأتي الآن الى تحليل هذه الظاهرة واسبابها ونتائجها

لنأتي الى الأسباب اولا

، فهل ان النظرية الشيوعية تحوي في طياتها ما يبعث على حصول الجمود العقائدي؟ للاجابة عن ذلك يجب ان نعرف اولا مع من تتفق ضاهرة الجمود العقائدي في طبيعتها هل مع الاسلوب الديالكتيكي ام مع الاسلوب الميتافزيكي؟ الجواب بالطبع مع السلوك الميتافزيكي ذلك ان الجمود العقائدي يعني الايمان بالحقائق والصيغ الثابتة ويرفض التغير وهذا بالظد من طبيعة النظرية الشيوعية التي تؤمن بالصيرورة والتغير المستمر بوصفها نظرية ديالكتيكية. اذن فظاهرة الجمود العقائدي لا تنبع من جذر في الفكر الشيوعي مطلقا. اذن هل يكمن سببها في قصور في عقلية القادة الشيوعيين الذين ظهروا بعد لينين؟ للاجابة على ذلك يجب ملاحظة ما يأتي

اولا: ان ضاهرة الجمود العقائدي لا تشمل القادة الشيوعيين فحسب بل كل الشيوعيين على وجه العموم من القاعدة الى القمة من اصغر محرض في الحزب الى امينه العام

ثانيا: ان ضاهرة الجمود العقائدي لا تشمل حزب واحد او مجموعة من الاحزاب وانما هو ضاهرة يتجسد ضهورها جليا واضحا في جميع الاحزاب الشيوعية بلا استثناء

ثالثا: ان هذه الضاهرة استمرة عبر اجيال عديدة من تاريخ الاممية الشيوعية ابتداءا من وفاة لينين ولا تزال مستمرة الى يومنا هذا حتى بعد وقوع مأساة الانهيار وسقوط الاممية الشيوعية - والذي يفترض ان يعمل كحافز قوي جدا للوقفة مع النفس وتصحيح الاخطاء - مما يعكس مدى تجذرها في سلوكية الشيوعيين

رابعا: ان القادة التاريخيين للحركة الشيوعية الذين تولوا مقاليد الامور بعد وفاة لينين والذين كانوا رمزا للجمود العقائدي من امثال ستالين وتروتسكي وزينوفيف وكامنيف وبوخارين لم يكونوا ابدا على مستوى ادنى من الفهم او الذكاء فكلهم من ذوي الملكات العقلية المتقدمة والتي تأهيلهم لاحتلال مكانة العباقرة كونهم من ذوي العقول الفذة فستالين مفكر عسكري فذ واذا كانت كتابات لينين وتروتسكي والآخرين تتخذ شكل مجلدات ضخمة في حين ان تراث ستالين النظري يتخذ شكل كتيبات صغيرة فأننا نجد في هذه الكتيبات الصغيرة ما يغنينا عن قراءة الكثير من المجلدات وفي بعض منها كالمادية الديالكتيكية والمادية التاريخية نجده يعطينا ما هو جديد ويصحح الخاطيء بالاضافة الى الاستعراض الشامل للموضوع عاكسا بذلك بلاغة المؤلف المتاتية منطقيا من ظرورة كونه فاهم للنظرية ومتمرس فيها. كذلك نجد ستالين ذو عقلية فذة في العلوم العسكرية في النظرية وعلى ارض الواقع وهو من هزم جيوش هتلر

اما تروتسكي فرغم شططه الفكري الا اننا نجد فية العقلية العسكرية الفذة فهو وزير دفاع ثورة اكتوبر العمالية الاشتراكية العظمى ومؤسس الحرس الاحمر العمالي الفلاحي المجيد ومؤسس الجيش الاحمر السوفيتي وهو فوق هذا كله مؤسس الديمقراطية العمالية التي تمثل القيم العليا السامية للماركسية التي قامت من اجلها الثورة الروسية حيث انه هو من ابدع نمط السلطة السوفياتية وليس لينين وهو من اصر على لينين لان يدخلها ببرنامج الاممية الشيوعية فهو من لفت نظره الى اهميتها وهو كما يصفه لينين ب: عقل الثورة السوفيتية العسكري. وتمتاز عقيدته رغم خطأها بكونها كل واحد ملتحم يسوده التجانس الداخلي وفي ذلك دليل على امتلاك تروتسكي لملكات عقلية متقدمة

وكذا الحال بالنسبة للآخرين عند التمحيص في سيرهم

ينتج من ذلك ان الجمود العقائدي لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يعزى الى انعدام في القدرة على الابداع لدى الشيوعيين من جراء قصور ذاتي في ملكاتهم العقلية والشيوعيين على وجه العموم يوصفون بانهم مثقفين ومفكرين

اذا فما هو سبب الجمود العقائدي وما هو سر تجذره في دماء الشيوعيين وعظامهم؟

ان الجمود العقائدي نابع من خلل سلوكي في الحركة الثورية والثوريين يتمثل يسلوكية تقديس القائد او الزعيم

والتي عبرت عن نفسها فيما بعد بممارسة عبادة الفرد

ان تقديس المنظر او القائد ليس له أي علاقة باحترام الزعيم الذي هو واجب اخلاقي يجب على الثوري الحقيقي ان يلتزم به ، فالاحترام شيء والتقديس شيء آخر فأن احترم ماركس شيء وان اجعل منه صنمااعبده شيء آخر لا علاقة له بالأول

ان احترام الزعيم من واجبات الثوريين وهو من تقاليد أي حركة ثورية فما بالك بالحركة الشيوعية التي هي اعلى مراحل الحركة الثورية في تاريخ الانسانية وهو لا يشتمل على ما يناقض الطريقة الديالكتيكية ، اما التقديس فهو على النقيض من ذلك لا يتفق مع الطريقة الديالكتيكية بل العكس فهو يتفق مع الطريقة الميتافيزيقية كونه شكل من اشكال التعبير عن الاعتقاد بالثبات وعدم التغير سواء بوعي او بدون وعي فاعطاء قدسية للشخص يعني اعطائه نوع من السمو فوق الزمان والمكان وبالتالي جعله يسمو هو ومقولاته –و هنا شر البليةعلى التغير فيهما

كما يفعل رجال اللاهوت بتقديسهم للرموز الدينية فرجال الكنيسة بتقديسهم للمسيح يعطون شخصه وبالتالي تعاليمه

وهذا ما ويمسخون فكره - سمو على الزمان والمكان والتغير فيهما وبالتالي يحولونه الى صنم يفعله الشيوعيون مع ماركس وانجلس ولينين وعقيدتهم ( الماركسية اللينينية ) للأسف الشديد. فهم يحولون ماركس وانجلس ولينين الذين كرسوا حياتهم لمحاربة الأنبياء وفكرهم وفكرة النبوة الى انبياء وبالتالي الى ايقونات ويختزلون الماركسية الى منظومة فكرية جامدة لا علاقة لها بالواقع وحياة الناس ويحولون الحزب الشيوعي الى اشبه ما يكون بطائفة من الطوائف الدينية الصغيرة متسببين في عزله عن المجتمع من خلال فصل عمله عن واقع الجماهير. ان الفرق بين الاحترام والتقديس هو ان الاول لا يشتمل على رفض احتمالية وقوع القائد في الخطأ بعكس الثاني الذي يؤدي الى رفض فكرة ارتكاب الزعيم لاخطاء. وهنا نريد ان نذكر حقيقة وهي ان ممارسة عبادة الفرد التي ظهرت في صفوف الحركة الشيوعية بعد وفاة لينين كنتيجة في جزء منها لسلوكية تقديس الزعيم ليست سببا لظاهرة الجمود العقائدي وإلا كيف نفسر غيابها في صفوف حزب العمل الكوري الذي يمارس عبادة الفرد ويطبقها بصورة منهجية منذ عقود طويلة من الزمن؟ وكيف لمثل هذا الحزب ان يطور او فلنقل يغير الكثير من نظريات الفكر الشيوعي ويبدع بدلا كنها نظريات اخرى؟ وكيف كان لهذا الحزب ان ينجح في المزاوجة بين النظرية الماركسية والعلم الحديث بصورة مبدعة من دون ان يحدث شرخا يذكر في جوهرها الثوري؟ ان عبادة الفرد ليست سبب الجمود العقائدي رغم كون عبادة الفرد - في جزء منها - والجمود العقائدي نشأ من اصل واحد هو سلوكية تقديس الزعيم.

نأتي الآن لنتائج الجمود العقائدي وما ادى ويؤدي اليه

اولا: ادى الجمود العقائدي الى تحويل الشيوعية الى دين ورموزها العظام من ماركس وانجلس ولينين الى اصنام

ثانيا: حرمان النظرية الشيوعية من التطور وملاحقة ركب التقدم الحاصل في العلوم العقلانية وبالتالي اصابتها بالمحدودية التاريخية

ثالثا: عدم تكيف النظرية الشيوعية للظروف الزمانية والمكانية الخاصة بكل امة وكل عصر واعتماد الصيغ الجاهزة بنسخ تجارب الآخرين كما هي وعلى الاخص التجربة الروسية واعتبارها المثل الواجب اتباعه في كافة البلدان وجميع الازمان وما نتج عن ذلك من قصور النظرية الشيوعية وعدم فاعليتها في الكثير من البقاع بسبب عدم تكيفها للظروف الموضوعية لذلك البلد او لتلك الحقبة واستعمال صيغ تصلح حلولا لظروف اخرى كونها وليدة امم اخرى وعهود سابقة

رابعا: افساح المجال وفتح الباب على مصراعية للتحريفية لتهاجم ثوابت الشيوعية (والتي تمثل المطلق الصحيح في الفكر الشيوعي) مستغلين الضعف العام الذي تعاني منه النظرية الشيوعية والمتاتي من تخلف النسبي فيها بسبب عدم تطويرها وصقلها وتصحيح الاخطاء المتأتية من تقادم الزمن وعدم تكيفها للظروف الموضوعية ، مدعين ان ذلك دليل على خطأ ثوابت الشيوعية.

ان التحريفية هي ظاهرة ناتجة عن الجمود العقائدي فهي التعبير عن استفحال هذه الآفة والجمود العقائدي هو المصدر الأساسي والمسبب الرئيسي للتحريفية والذي بدونه لا تعمل باقي مصادر التحريفية عملها. لذا فأن محاربة الجمود العقائدي هو الأساس في الكفاح ضد التحريفية وبالتالي فأن محاربة تقديس الزعماء - من دون التوقف عن احترامهم - هو حجر الزاوية لهذه المهمة المصيرية التي يتوقف عليها مصير الحركة الثورية ومصير الجنس البشري كله ومستقبل الانسانية

منعم عمامى 08/07/2011

13:58


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق